المجذومة(رواية)


     أنتم تعرفون عملي، نعم أحسنتم، سكرتير مكتب مدير نزل المجذومين، عملي ببساطة هو أن أجلس على ذاك الكرسي الدوار وأقوم بما يطلب به المدير باركر وأتحمل توبيخه، كما علي أن أتحمل سماجة تلك المخلوقة إدي أو أين كان أسمها سكرتيرته الثانية.
     كانت سمجة إلى حد لا يصدق، صحيح أنها المصباح الذي يجذب كل الفراش الذكور في النزل، حتى المدير الخمسيني نفسه، لكنها لسبب لا أعرفه اعتبرتني فارس أحلامها الوحيد، يا للحظ!، كل من يريدها لا تريدهم ومن يراها سمجة تريده.
     كم أكره جلستها الحمقاء تلك، يوم أن تضع ساقاها الدقيقان فوق بعضهما وهي لا ترتدي سوى تلك التنورة القصيرة التي تصلح إعلاناً بيئياً يطالب بتوفير النسيج!، بينما تطلي شفتاها بأحمر شفاه يفرز مادة حمراء دبقة تجعلك عندما تنظر إليها تتذكر بمصاصي الدماء، بصراحة لا أعرف من أين تشتري شيئاً قبيحاً كهذا؟!.
    دع عنك عينيها الزرقاوين وشعرها الأشقر وبشرتها شديدة البياض مما يجعلك تشعر بالصقيع لو كنت تفهم هذا. والشيء الأسمج في الموضوع هو أنها على تعلك قطعة من اللدن طوال الوقت وتطرقع بها!، حتى هذه القطعة لا أدري من أين تشتريها!، أرأيتم إنني محق لما قلت لكم إنها سمجة!
     المشكلة أن عملي يحتم علي الجلوس معها في غرفة واحدة، لا أخفيكم أنني طوال عملي لا أنظر إليها، هي لا تختلف عن تلك البغايا إلا في اللباس وحسب!، الصبغ الأحمر الكثيف واللادن والطرقعة والساقان المتقاطعتان وأحمر الشفاه الدبق والـ...إلخ كلها تشكل أولئك القوم، فقط التنورة الرمادية وتلك القطعة من القماش التي لا أعرف أسمها التي تغطي كل شيء عدا الساقين والوجه والرقبة والشعر.
     كل الموظفين يعرفون أنها تحبك الشباك حولي، وكلهم يعرف أنني أبحلق في كل شيء عداها، حتى عندما تكلمني أنظر إلى أصبع رجلي الكبيرة وأعد مشاكلها الصحية، يقول لي أحد الأطباء العاملين هنا بخبث أن تجاهلي لها هو سبب نشوء الحب من طرف واحد هذا.
     في كل يوم تخبرني أنني رجل شبق لذلك لا أنظر إليها خوفاً من أن أفقد تحكمي!، تخيلوا هذا!، هكذا تثور ثائرتي وأقول لها إنني أحافظ على قلبي من شياطين الحب الغير موصول وأنني أعترف بالشبق لو كانت ترتدي تلك الثياب المحتشمة التي تلبسها عندما تكون في الساحل! لكنها بطبع لا تفهم كلمة [وصل الحبيب] وتربطها بالجنس لذلك تنتابني رغبة في لكم أنفها، لكنني بطبع لا أستطيع، لأن هذا ببساطة سيجلب الوبال على رأسي، فهي امرأة رقيقة وأنا رجل غليظ لذلك الخطأ مني بالتأكيد هذا أولاً، وثانياً جميع من في النزل باستثناء المجذومين يعتبرها فتاة أحلامه ومستعد أن يكسر العمود الفقري الخاص بمن يلكم فتاة أحلامه، ظننت هذا مفهوماً.
    هكذا أجر رجلي إلى مديري باركر، فيقول لي من خلف عويناته:" عزيزي فيليب تذكر أن بدايات الحب هي الخلافات، والقاعدة تقول من سب حب"، لكم أن تصدقوا هذا أو لا تصدقوه!، لكنني أفهم الآن لما اعتمدت قواعد الجواسيس على المرأة الرقيعة لكسب الحروب.
     لحسن الحظ أتى الفرج، حيث أعلن النزل أنه يمنح مكافئات تصل لخمس مئة ليرة شهرياً لمن يبهج المجذومين في النزل، كان الكلام موجه في الواقع للأطباء وطاقم التمريض، لكنني رجوت المدير أن أدخل ضمن التعميم لأهرب من الشيطانة التي تطرقع باللادن في الغرفة المجاورة، فقال لي بلهجة عملية تماماً:" لكن لا يوجد خمس مئة ليرة"، كان مرتبي لا يشبع صرصوراً فاقد الشهية، لذلك لم أشأ أن أقل له:" خلصني من الشيطان ذو العينين الزرقاوين وأمنحك الخمس مئة ليرة بنفسي".
     هكذا رحت أكلم المجذومين، بطبع ثقافتكم عالية وتعرفون المجذومين، نعم هم قريبون من الزومبي تقريباً.
     بدأت علاقتي مع مجذومه في النزل، لم تكن تضع أحمر الشفاه ولا تطرقع باللادن ولا ...إلخ لماذا نكمل يا قوم، ألا يحق للعجوز التسعينية أن تضع حجابها!، إذن المجذومة من [باب أولى] كما يقول الفقهاء، فهي ليست عجوزاً معاذ الله، وإنما هي غول لا يزورنا إلا في الكوابيس المرعبة، لكنها على الأقل أرحم من تلك السكرتيرة.
     كانت بلا أصابع فقط مجرد زائدة في نهاية الساعد، الوجه مليء بالتجاعيد مما يذكرك باسمه القديم عند العرب داء الأسد، بالفعل تجمع التجاعيد مع تساقط شعر الوجه مع السحابة على العينين يصبح الوجه أسد آدمي!، الجذام معدي بطبع لكنها تعدت تلك المرحلة لحسن الحظ، أما لو نظرت إلى حاجز الأنف فستجد أنه تم تدميره وأصبح لا وجود له!
     لا أحد يستطيع أن يقول إننا عاشقان ولا أن يقول إننا نتكلم عن خططنا المستقبلية للزواج، إلا المجانين فقط، أو من يعتبرونني مجنوناً، كان فقط على الاستماع لها والهمهمة من حين لآخر لأشعرها بأنني استمع لها، بينما كنت أبحلق في المروج الخضراء المعتنى بها والأشجار المعمرة.
-:" كنت يوم أن أتاني الجذام أحمل الصينية من الفرن دون أن أتألم، ظننت أنني امتلكت قوى خارقة، أبي المسكين قال إن العائلة سوف يتحسن دخلها لو أقمنا خيمة أؤدي فيها العروض".
-:" واو هل هذا حقيقي؟"
-:" بطبع مريض الجذام في بدايته وقبل أن يعرف أنه أصيب بالجذام يفقد القدرة على الإحساس أو الألم لا أدري ما يسميه الأطباء بالضبط".
     بعدها ملأت رئتيها بالهواء وزفرت زفرة حرا بعد أن اتكأت على الصخرة بساعديها المجذومين:
-:" كنت أتمنى أن يكون لدي فتى أحبه ويحبني، أتعرف يا دكتور" بالمناسبة هي تسميني دكتور فكل شخص في النزل غير مجذوم اسمه دكتور وعليه أن يبتلع هذه المجاملة وإلا قضى نصف عمره الباقي في تصحيح هذه المعلومة ولن ينجح:" أتعلم يا دكتور إن الحب هو ألذ أمر في الحياة، الحب الذي يقع بينك وبين الإنسان المرتبط بك، أتكلم عن حب شريك حياتك وأطفالك" ثم تنظر إلى البعد:" قبل أن أصاب بالجذام كنت عندما أحتضن أطفال أختي وأشم عبيرهم أشعر بشيء مريح يخرج من قلبي ويدخل كل خلية من خلايا بدني، فكيف لو كانوا أبنائي".
     ببلاهة حاولت أن أظهر أنني مهتم بكلامها لكن يبدو أنني لم أختر الكلمة المناسبة:
-:" عبيرهم، ماذا تعنين؟"
-:" أوه أنت لست مجذوم ولا تعرف هذا، رائحة الأطفال الجمي..."
قاطعتها قائلاً بصدق:
-:" يعععععع، يبدو أنك لم تشمي طفلاً بعد ".
     لكنها قالت لي ساهمة:
-:"أنت لا تفهم، كم كنت أتمنى شريك حياة أضحي من أجله فقط من أجل أن أرى نظرة تقدير التضحية المشوبة بالحب تبزغ من عينيه، آخ فاتتني دورة الرسم وإلا لرسمت لك ما أعني".
     ابتسمت لها في مجاملة قائلاً بكذبة بيضاء لو كان هناك شيء كهذا:
-:" أوه لا داعي لذلك أفهمك تماماً".
     فتقول لي ساهمة للمرة الألف:
-:" كلا أنت لا تفهمني ولا مشرف النفس الخاص بالنزل يفهمني ولا يفهموننا".
     تمحمحت وحاولت أن أقول إننا نفهم شعورهم والكلام السخيف الذي يقال لكل مريض لكنها أسكتتني بكفها أو بالأحرى بتلك الزائدة الغريبة في طرف ساعدها:
-:" لن تقنعني، مشرف النفس المجنون هذا يقول اعتبري الجذام شريك حياتك وتبادلي معه عبارات الحب لتتقبليه وتجدين من يملئ عليك وقت الفراغ!".
     حينها اضطررت للصمت بالفعل!
يتبع
     صدقوا أو لا تصدقوا، وقعت في حب المجذومة، لا لم يكن جمالها مفتاح قلبي، بل كانت أفكارها التضحوية المخلصة، هذه شريكة حياة رائعة بالفعل، الجمال؟، ماذا يهم في الجمال، سوف يذبل وتكون عجوزاً أو أتعود عليه مما يخفي قيمته، توريث المرض؟، هو لا يتم توريثه، العدوى؟، انتهت فترة العدوى بالنسبة لـ(جميلة)، نعم هذا هو اسم زوجتي المستقبلية، لحسن الحظ أنني مسلم وإلا لما استطعت الزواج بها، لكن تبقى عقبة كدوح كما يقولون!، الأحباب!، هاجوا وماجوا، كيف يتزوج محبوبهم مسخاً بلا أصابع، حتى المسوخ التي تعرضها الأفلام الأمريكية ويشتريها الشباب ليرون من هو الجبان الذي لن يكمل مشاهدة الفيلم لا تحوي مسوخاً بلا أصابع!، الأصابع شيء أساسي في المسوخ.
     هكذا بدأت المعركة الشهيرة في كل بيت في هذا العالم:" أنا حر "، فيقول الطرف الثاني :" و نحن نحبك هذا أولاً وثانياً لم تكن لتعيش لولانا فأين هو الثمن " بطبع لا يرضيهم أي مبلغ وأنا لا أمتلك الكثير من الأموال، المبلغ الذي يريدونه هو:" لا تعذب نفسك بتقبيل فتاة مجذومة أو العيش تحت سقف واحد معها، الجمال مهم في الموضوع يا حبيبي "، أنا أحب أحبابي لأنهم يعتبرون كل المليارات لا تساوي عذابي، لكن كيف أقنعهم أن عذابي هو عدم الزواج من [جميلة] أو بالأحرى فتاة مجذومة، لا ألومهم فكلامي غير منطقي ويحق لهم الصراخ في من أجله، لكن لابد من حل.
     فقط حبيبة واحدة أكرهها لحسن الحظ لم تكافح من زواجي، أنتم تعرفونها، نعم الشقراء زرقاء العينين سكرتيرة المدير، فقط قالت لي بتكبر أنثوي:" أنت مجنون "، لكن للحق، كانت خارجة من القلب، لقد طعنت طعنة نجلاء، بيني و بينكم لو لم تكن تناصبني العداء لكنت رحمتها، لكنها كانت سمجة جداً ومدللة على حسابي في مصحة المجاذيم هنا، لذلك شعرت نوع ما – و أخجل من الاعتراف – بلذة الانتقام، بيني وبينكم رحمتها بالفعل تمنيت لو لم أكن بهذه القسوة، لكن ما باليد حيلة، هذا هو نظام الزواج العفن في مجتمعاتنا وهو الذي يسبب مثل هذه القضايا كما يسميها علماء الاجتماع!.
     نادني المدير وبدء يكلمني – كجد نصوح – بالإقلاع عن حب المجذومة، طبعاً لم يعرض علي سكرتيرته لأنه فيما يبدو يخطط للزواج منها، الفتاة سوف تقبل، نعم هو خمسيني لنه يملك الكثير من الأموال، قلة من الفتيات اللواتي يهتممن بسن الرجل طلما حسابه مليء بالمال، غضبت وقلت أنني حر في خياراتي، أغمض عيني وقال كأنه مربية تعض طفلاً لم يتناول البيض في إفطاره:" الإنسان ليس حر طالما أنه يريد إدمان المخدرات أو الانتحار أو الزواج من مجذومة " رباه ماذا يقول هذا المخبول:" إن الزواج من المجذومات ليس شراً مستطيراً إنه ليس مثل الانتحار أو المخدرات" لكنه شبك بين أصابعه وقال:" بلى مثلها، هي انصرف إلى عملك أيها الشاب ".
     لن تصدقوا لم أستطع الزواج من المجذومة [جميلة]، بل لقد انتحرت الفتاة نفسها، قال المشرف النفسي كلاماً سخيفاً لي ما زال يرن في أذني إلى اليوم:" لقد كنت أنت السبب أيها الشاب، فتحت لها باباً مغلقاً في وجهها، لو كانت الأشباح حقيقة فسوف تطاردك حتى تقتلك" لكنه لم يكن يعلم كم كان كلامه صحيحاً، لقد كان جميلة تطاردني في أحلامي كل يوم!.

تمت

تعليقات